سورة الرحمن - تفسير تفسير الألوسي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الرحمن)


        


{فِيهَا فَاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذَاتُ الْأَكْمَامِ (11)}
{فِيهَا فاكهة} إلخ استئناف مسوق لتقرير ما أفادته الجملة السابقة من كون الأرض موضوعة لنفع الأنام، وقيل: حال مقدرة من {الأرض} [الرحمن: 10]، أو من ضميرها، فالأحسن حينئذٍ أن يكون الحال هو الجار والمجرور، و{فاكهة} رفع على الفاعلية والتنوين عونة المقام للتكثير أي فيها ضروب كثيرة مما يتفكه به {والنخل ذَاتُ الاكمام} هي أوعية التمر أعني الطلع على ما روي عن ابن عباس جمع كم بكسر الكاف وقد تضم، وهذا في كم الثمر، وأما كم القميص فهو بالضم لا غير، أو كل ما يكم ويغطى من ليف وسعف وطلع فإنه مما ينتفع به كالمكموم من الثمر والجمار مثلًا، واختاره من اختاره، ومما ذكر يعلم فائدة التوصيف.


{وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحَانُ (12)}
{والحب} هو ما يتغذى به كالحنطة والشعير {ذُو العصف} قيل: هو ورق الزرع، وقيده بعضهم باليابس، وأخرج ابن جرير. وابن أبي حاتم عن ابن عباس أنه التبن، وأخرج ابن جرير. وابن المنذر عن الضحاك أنه القشر الذي يكون على الحب؛ وعن السدي. والفراء أنه بقل الزرع وهو أول ما ينبت، وأخرجه غير واحد عن الحبر أيضًا، واختار جمع ما روي عنه أولًا، وفي توصيف الحب بما ذكر تنبيه على أنه سبحانه كما أنعم عليهم بما يقوتهم من الحب أنعم عليهم بما يقوت بهائمهم من العصف {والريحان} هو كل مشموم طيبَ الريح من النبات على ما أخرجه ابن جرير عن ابن زيد، وأخرج عن الحسن أنه قال: هو ريحانكم هذا أي الريحان المعروف؛ وأخرج عن مجاهد أنه الرزق بل قال ابن عباس: كما أخرج هو أيضًا عنه كل ريحان في القرآن فهو رزق، وزعم الطبرسي أنه قول الأكثر، وعليه قول بعض الأعراب، وقد قيل له: إلى أين أطلب من ريحان الله فإنه أراد من رزقه عز وجل، ووجه إطلاقه عليه أنه يرتاح له، وظاهر كلام الكشاف أنه أطلق وأريد منه اللب ليطابق العصف ويوافق المراد منه في قراءة. حمزة. والكسائي. والأصمعي عن أبي عمرو {والريحان} بالجر عطفًا على {العصف} إذ يبعد عليها حمله على المشموم والقريب حمله على اللب فكأنه قيل: والحب ذو العصف الذي هو رزق دوابكم، وذو اللب الذي هو رزق لكم، وجوز أن يكون الريحان في هذه القراءة عطفًا على {فاكهة} [الرحمن: 11] كما في قراءة الرفع، والجر للمجاورة وهو كما ترى، والزمخشري بعد أن فسر {الاكمام} [الرحمن: 11] بما ذكرناه ثانيًا فيها {والريحان} باللب قال: أراد سبحانه فيها ما يتلذذ به من الفواكه، والجامع بين التغذي والتلذذ وهو ثمر النخل وما يتغذى به وهو الحب وهو على ما في الكشف بيان لإظهار وجه الامتنان وأنه مستوعب لأقسام ما يتناول في حال الرفاهية لأنه إما للتلذذ الخالص وهو الفاكهة؛ أوله وللتغذي أيضًا وهو ثمر النخل، أو للتغذي وحده وهو الحب، ولما كان الأخيران أدخل في الامتنان شفع كلًا بعلاوة فيها منة أيضًا، وأنت تعلم أنه إذا كان المقصود من النخل ثمره المعروف فالعطف على أسلوب {ملائكته وجبريل} [البقرة: 98] كما قيل به في قوله تعالى: {فِيهَا فاكهة وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ} [الرحمن: 68] وإذا كان ما يعمه وسائر ما ينتفع به منه كالجمار والكفرى، فالعطف ليس على ذلك، وجعل صاحب الكشف قول الزمخشري بعد تفسير {الاكمام} بالمعنى الأعم وكله منتفع به كالمكموم إشارة إلى هذا، ثم قال: ولا ينافي جعله منه في قوله تعالى: {فِيهَا فاكهة} [الرحمن: 11] إلخ نظرًا إلى أن الجنة دار تخلص للتلذذ فالنظر هنالك إلى المقصود وهو الثمر فقط فتأمل.
وقرأ ابن عامر. وأبو حيوة. وابن أبي عبلة والحب ذا العصف والريحان بنصب الجميع، وخرج على أنه بتقدير وخلق الحب الخ، وقيل: يجوز تقدير أخص، وفيه دغدغة، وجوزوا أن يكون الريحان عنى اللب حالة الرفع وحالة النصب على حذف مضاف. والأصل وذو أو وذا الريحان فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه و{الريحان} فيعلان من الروح. فأصله ريوحان قبلت الواو ياءًا لاجتماعها مع ياء ساكنة قبلها وأدغمت في الياء فصار ريحان بالتشديد ثم حذفت الياء الثانية التي هي عين الكلمة فقيل: ريحان كما قيل: ميت وهين بسكون الياء.
وعن أبي علي الفارسي أنه فعلان وأصله روحان بفتح الراء وسكون الواو قلبت واوه ياءًا للتخفيف وللفرق بينه وبين الروحان عنى ماله روح.


{فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (13)}
{فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ} الخطاب للثقلين لأنهما داخلان في {الأنام} [الرحمن: 10] على ما اخترناه، أو لأن الأنام عبارة عنهما على ما روي عن الحسن، وسينطق بهما في قوله تعالى: {سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَنَّهُ *الثقلان} [الرحمن: 31] وفي الأخبار كما ستعلمه إن شاء الله تعالى قريبًا ما يؤيده، وقد أبعد من ذهب إلى أنه خطاب للذكر والأنثى من بني آدم، وأبعد أكثر منه من قال: إنه خطاب على حد {أَلْقِيَا فِى جَهَنَّمَ} [ق: 24] ويا شرطي أضربا عنقه، يعني أنه خطاب للواحد بصورة الاثنين والفاء لترتيب الإنكار، والتوبيخ على ما فصل من فنون النعماء وصنوف الآلاء الموجبة للإيمان والشكر حتمًا، والتعرض لعنوان الربوبية المنبئة عن المالكية الكلية والتربية مع الإضافة إلى ضميرهم لتأكيد النكير وتشديد التوبيخ ومعنى تكذيبهم بشيء من آلائه تعالى كفرهم به إما بإنكار كونه منه عز وجل مع عدم الاعتراف بكونه نعمة في نفسه كتعليم القرآن وما يستند إليه من النعم الدينية، وإما بإنكار كونه منه تعالى مع الاعتراف بكونه نعمة في نفسه كالنعم الدنيوية الواصلة إليهم بإسناده إلى غيره سبحانه استقلالًا، أو اشتراكًا صريحًا، أو دلالة فإنه إشراكهم لآلهتهم به تعالى في العبادة من دواعي إشراكهم لها به تعالى فيما يوجبها، والتعبير عن كفرهم المذكور بالتكذيب لما أن دلالة الآلاء المذكورة على وجوب الإيمان والشكر شهادة منها بذلك فكفرهم بها تكذيب لا محالة أي فإذا كان الأمر كما فصل {فَبِأَىّ} فرد من أفراد نعم مالككما ومربيكما بتلك النعم {تُكَذّبَانِ} مع أن كلًا منها ناطق بالحق شاهد بالصدق ويندب أن يقول سامع هذه الآية: لا بشيء من نعمك ربنا نكذب فلك الحمد، فقد أخرج البزار. وابن جرير. وابن المنذر. والدارقطني في الإفراد. وابن مردويه. والخطيب في تاريخه بسند صحيح عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ سورة {الرحمن} على أصحابه فسكتوا فقال: مالي أسمع الجن أحسن جوابًا لربها منكم ما أتيت على قول الله تعالى: {فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ} إلا قالوا: لا بشيء من نعمك ربنا نكذب فلك الحمد».
وأخرج الترمذي وجماعة وصححه الحاكم عن جابر بن عبد الله نحوه، وقرئ {فَبِأَىّ} بالتنوين في جميع السورة كأنه حذف منه المضاف إليه وأبدل منه {رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ} بدل معرفة من نكرة.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8